دولة الرئيس
سعادة النواب
بداية أتوجه بالشكر لدولتكم على الاستجابة لطلبي بعقد هذه الجلسة لنتحدث بشكل واضح ومباشر عن ملف من أكثر الملفات التي تشغل اللبنانيين حاضرا ومستقبلا.وكنت قد قلت مرارا إن موضوع النزوح السوري الى لبنان هو من المواضيع التي يجمع اللبنانيون عليها برؤية واحدة في سبيل انقاذ ديموغرافية لبنان والحفاظ على كيانه. ولكن للاسف لم يدم رهاني طويلا، اذ بدأنا نخاصم بعضنا البعض، مغلّبين الشعبوية والمزايدات على المصلحة الوطنية،فحوّلالبعض الفرصة الى مشكلة والنعمة الى نقمة.
البعض عارض الحكومة، وهذا حق ديموقراطي طبعا، لكنه عارض قبل أن يفهم ، وحكم بالأمر قبل ان يعلم. وهذا النهج اعتبر انه يشكل ضررا كبيرا على الوطن ويعرقل السير قدما بحل هذه المعضلة.
وفي هذا السياق، لا بد لي من أن اثمن عاليا الموقف الايجابي للبعض بالتعاطي مع ما حدث وذلك بالاستيضاح مباشرة او عبر رسائل خطية ولهم منا كل تقدير.
إنني اؤمن بان قوة لبنان الحقيقية في وحدة ابنائه ، فهذا الوطن لنا جميعا ، وكفى مزايدات على بعضنا البعض. لبنان وطن سيد حر مستقل، وطن نهائي لجميع أبنائه، واحد أرضاً وشعباً ومؤسسات في حدوده المنصوص عنها في الدستور والمعترف بها دولياً. لبنان دولة مستقلة ذات وحدة لا تتجزأ وسيادة تامة..فلا فرز للشعب على أساس أي انتماء كان، ولا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين، كما جاء في مقدمة الدستور.
ان حل مسألة النزوح السوري يكون بتوافق كامل بين اللبنانيين،ولذلك سابدأ بشرح الاجراءات المتخذة من قبل الحكومة .
إن المساعدة الاوروبية التي أعلنت عنها رئيسة المفوضية الاوروبية في حضور الرئيس القبرصي ليست سوى تأكيد للمساعدات الدورية التي تقدمها المفوضية الاوروبية للبنان منذ سنوات. وهذا الدعم الاوروبي هو للخدمات الأساسية التي تقدمها المفوضية الى المؤسسات الحكومية في مجالات الحماية الاجتماعية والتعليم والمياه والصحة ، وعلى سبيل المثال من خلال انشاء مراكز التنمية الاجتماعية والمدارس العامة ومؤسسات المياه وما شابه ذلك.
لقد وعدت رئيسة المفوضية الاوروبية بأن هذه المساعدات سيعاد تقييمها كل ستة أشهر في ضوء حاجة لبنان، كما وعدت بزيادة هذا المبلغ اضعافا وباستثمارات اوروبية في لبنان فور اقرار القوانين الاصلاحية المطلوبة.
أريد ان اؤكد ان هذه المساعدات غير مشروطة بأي شروط مسبقة او لاحقة ،ولم يتم توقيع اي اتفاق مع الاتحاد الاوروبي بشانها،بل هي استمرار للمساعدات السابقة.
لا بل اقول بصراحة نحن أصرينا ان تكون المساعدة المقدمة للنازحين السوريين هي لتشجيعهم على العودة الى بلادهم وليس للبقاء في لبنان، مؤكدين ان القسم الاكبر من سوريا قد بات آمنا للعودة. كما حذرنا من أن استمرار هذه الازمة في لبنان سيكون ككرة النار التي لن تنحصر تداعياتها على لبنان بل ستمتد الى اوروبا لتتحوّل الى ازمة اقليمية ودولية .وقد ابلغنا هذا الموقف الى جميع المعنيين خلال لقاءاتنا ولا سيما الى الرئيس القبرصيورئيسة المفوضية الاوروبية خلال زيارتهما للبنان ، مشددين على انه لا يمكن اعتبار لبنان شرطيا حدوديا لأي دولة،وان المطلوب تعاون كل الدول لحل هذه المعضلة.
لن اتوقف عند كل ما قيل لأن الوقت ليس للتساجل والهم الاساس هو حل هذا الموضوع بتوافق كامل بين اللبنانيين. ولهذا سابدأ بشرح الاجراءات المتخذة من قبل الحكومة .
اولا:الطلب من الجهات الامنية المختصة التشدد في تطبيق القانون على كل الاراضي اللبنانية لجهة ترحيل كل مَن يقيم بشكل غير شرعي الى بلده ، على أن يصار الى التنسيق مع المفوضية السامية للامم المتحدة لشؤون اللاجئين عند الاقتضاء،آخذين بعين الاعتبار مذكرة التفاهم الموقعة في 9-9-2003،بين المديرية العامة للأمن العام والمفوضية، والتي اشارت الى انه لا يمكن اعتبار السوريين في لبنان لاجئين. وهنا أؤكد انه من الضروري تعاون الجميع لتنفيذ ذلك وعدم اغراق الاجهزة الأمنية والحكومية بالوساطات لابقاء المقيمين بطريقة غير شرعية على الاراضي اللبنانية.
ثانيا: بالنسبة الى امن الحدود فان الجيش يقوم بواجبه كاملا ضمن الامكانات المتاحة حيث ينشر اربعة افواج على طول الحدود اللبنانية- السورية،بخط حدودي يبلغ حوالى 387 كلم بعدد عناصر 4838 عنصرا يتوزعون على 108 مراكز من بينها 38 برج مراقبة مجهزين بكاميرات واجهزة استشعار ليلية . ولكن في الواقع العسكري وعلى طول الخط، يلزم خمسة اضعاف القوى المنتشرة حاليا وذلك لضبط الحدود بالحدود الدنيا، ناهيك عن الحاجة البشرية والوجسنية لتعزيز الحدود البحرية والمراقبة عليها وضبطها.لهذا السبب نتابع الاتصالات الدولية من اجل تعزيز قدرات الجيش على الصعد كافة بما فيها التجهيزات اللوجسنية اللازمة للمراقبة وتكثيف ابراج المراقبة الحدودية.
رغم ذلك ، وفي ضوء المتوافر من امكانات، يقوم الجيش بالتعاون الوثيق مع مختلف الاجهزة الامنية بتعزيز نقاط التفتيش الحدودية وتنفيذ عمليات رصد وتفتيش كاملة ومنسقة تستهدف مواقع التسلل والتهريب واحالة المعنيين على القضاء المختص. كما تقوم الاجهزة الأمنية باغلاق نقاط العبور غير الشرعية ومصادرة الاموال المستخدمة من قبل المهرّبين حسب الاصول. كذلك يتم تكثيف الجهد الاستعلامي والامني لضبط الحدود البرية والبحرية.
ثالثا: اصدرت وزارة الداخلية والبلديات سلسلة من التعاميم تقضي باجراء مسح شامل للسوريين القاطنين في النطاق البلدي واعداد بيانات عنهم. وايضا توجب التعاميم الافادة الفورية عن اي تحركات او تجمعات مشبوهة تتعلق بالنازحين السوريين، والتشدد في قمع المخالفات المتعلقة بالمحال التي يتم استثمارها ضمن النطاق البلدي من قبل السوريين من دون حيازة التراخيص اللازمة،والعمل على اقفالها فورا واحالة المخالفين على القضاء.
رابعا: في ما يتعلق بسوق العمل، يتم من قبل وزارة العمل التشدد في اتخاذ الاجراءات القانونية الرادعة بحق المؤسسات والشركات العاملة على الاراضي اللبنانية والمخالفة لقانون العمل والأنظمة المرعية الاجراء لا سيما في الجانب المتعلق بالعمالة اللبنانية .
كما يتم العمل على وقف كل محاولات الالتفاف على النصوص القانونية بهدف تشريع العمالة الاجنبية ، لا سيما من خلال انشاء شركات تجارية وهمية وتحديدا شركات توصية بسيطة.
خامسا:الطلب من النيابات العامة التشدد في الاجراءات القانونية المتعلقة بالضالعين في تهريب الاشخاص والداخلين الى لبنان بطرق غير مشروعة وملاحقتهم بجرم الاتجار بالبشر. كذلك الطلب من وزارة العدل بحث امكانية تسليم المحكومين والمسجونين والموقوفين وفقا لما تجيزه القوانين والانظمة المرعية الأجراء.
سادسا: تكثيف الجهد الديبلوماسي لشرح خطورة موضوع النزوح السوري على لبنان وعلى الأمن الاقليمي والاوروبي وتأكيد ضرورة اتخاذ الاجراءات اللازمة لتحسين الظروف المعيشية للشعب السوري ليبقى في ارضه وتشجيع النازحين على العودة. ما ورد آنفا هو جزء من القرارات التي اتخذتها "اللجنة الوزارية المختصة بمتابعة اعادة النازحين السوريين الى بلدهم بأمان وكرامة" والتي كان شكلها مجلس الوزراء بتاريخ 29-9-2021 برئاسة رئيس الحكومة وتضم وزراء الخارجية والمعتربين، والداخلية والبلديات، والدفاع الوطني، والشؤون الاجتماعية والعدل والمهجرين والعمل.وانيطت بهذه اللجنة مهمة اتخاذ القرارات المناسبة ورفعها الى مجلس الوزراء على ان تناقش كبند اساسي في كل جلسة.
لقد ثارت ثائرة البعض عندما تحدثنا عن قرار الهجرة الموسمية الخاص بدول الجوار الذي اتخذه الإتحاد الأوروبي وضم إليه لبنان على غرار تركيا، والأردن ومصر وتونس والمغرب ،وذهب البعض في مخيلته الى حد القول إننا نريد تهجير فئة من اللبنانيين لتوطين السوريين مكانهم.
إن هذه المزاعم باطلة بطلانا مطلقا، ولا علاقة للمشروع بالنزوح السوري بل بدا تطبيقه منذ فترة طويلة، وكل ما في الامر أن الموضوع عرض علينا من منطلق اقتصادي بحت لفتح الباب أمام من يرغب لايجاد فرص عمل موسمية في الخارج يعلن عنها من الدول الأوروبية في حينه وبالتالي تكون هذه الهجرة شرعية لمن تنطبق عليه الشروط المحددة ولفترة محددة حصرا. وهناك باستمرار، ومنذ سنوات، خبرات في مجال الطب تغادر لبنان في مهمات محددة ولفترة محددة في اوروبا ضمن هذا المشروع الاوروبي.
أما اذا ارتأى المجلس النيابي الكريم اصدار اي توصية او قانون يمنع هذا الامر فله الحق في ذلك ، فاتخذوا القرار الذي ترونه مناسبا للمصلحة الوطنية.
إن الحكومة التي اتكلم باسمها حسب الدستور، لم تتأخر يوما عن اتخاذ القرارات المناسبة في هذا الملف، وإن الجيش وسائر الاجهزة الامنية يقومون بواجباتهم ويجهدون مشكورين لمنع قوافل النزوح غير المبرر، والذي يهدد استقلاليتنا الكيانية ويفرض خللا حاداً يضرب، بقصد او بغير قصد، تركيبة الواقع اللبناني.
المطلوب اليوم هو اتخاذ موقف وطني جامع وموّحد بشأن كيفية مقاربة هذا الملف بعيدا عن المزايدات والاتفعالات والاتهامات، لكي يكون ذلك بداية للتصدي للمشكلات الاساسية التي تواجه البلاد وفي مقدمها الشغور الرئاسي والاصلاحات الاقتصادية، وما يحصل في جنوبنا ومعاناة شعبنا هناك. ونحن مستعدون للتعاون مع مجلسكم الكريم في كل ما ترونه مناسبا.والسلام عليكم.