Republic of Lebanon

كلمة الرئيس دياب في الدورة الاستثنائيّة الحادية والثلاثين للجمعيّة العامة للأمم المتحدة من أجل التصدّي لجائحة كوفيد-19

الخط + -
03 كانون الأول 2020

 Allocution PM DIab UNGA special session on Covid-19

PM Diab Speech to UNGA special session on Covid-19 response

 

السادة رؤساء الدول والحكومات، 

سعادة رئيس الجمعيّة العامة للأمم المتحدة،

سعادة أمين عام الأمم المتحدة،

أصحاب السعادة،

السيدات والسادة،

 

إسمحوا لي بدايةً أن أعرب عن تقديري العميق للدول الأعضاء لمبادرتها إلى عقد دورة استثنائيّة مخصَّصة لجائحة كوفيد-19  في إطار البند 128 من جدول الأعمال بعنوان "تعزيز منظومة الأمم المتحدة". في هذه المرحلة الدقيقة، أشارك في مؤتمر اليوم بمشاعر مختلطة، إذ يسعدني من جهة أنّ المجتمع الدولي يضاعف جهوده من أجل الاستجابة لجائحة كوفيد-19 حول العالم، لكنني أشعر بالأسى من جهة أخرى لكون الجائحة قد أودت بحياة أكثر من 1.3 مليون شخص و عطّلت الاقتصاد العالمي.

واجه لبنان العديد من التحدّيات في معرض الاستعداد لمواجهة الجائحة المستجدّة. وقد تفشى فيروس كورونا المستجدّ في وقت صعب كان فيه البلد يتخبّط في أزمات اجتماعيّة واقتصاديّة وماليّة متزامنة ووجوديّة وغير مسبوقة، ممّا أدى إلى تفاقُم ظروفه السيّئة أساسًا. علاوةً على ذلك، فإنّ البلد يعاني كثافةً سكانيّة عالية، حيث يبلغ عدد سكانه 6.9 مليون نسمة - 87.2٪ منهم يعيشون في مناطق حضريّة - بما في ذلك 2 مليون نازح ولاجئ و 500000 عامل مهاجر، وكلّهم ضمن الـ 10452 كم2 بكثافة سكانيّة تبلغ 667 نسمة لكلّ كم 2.

أنشئت خليّة أزمة وزاريّة من أجل الإشراف على الجهوزيّة والاستجابة الوطنيّة لفيروس كورونا المستجدّ واتخاذ التدابير اللازمة لاحتواء انتشاره. وقد أطلقنا "استجابة حكوميّة شاملة" من خلال الشراكة بين القطاعيْن العام والخاص، والتي تركّزت على الاحتواء الصارم في مرحلة مبكرة كي يتسنّى لنا بناء القدرة على الاستجابة لحالات العدوى.

إنّ قطاع الرعاية الصحيّة في لبنان مشتَّت، حيث أنّ المستشفيات تملك قدرات متفاوتة، و84٪ منها مستشفيات خاصة ومتمركزة بشكل أساسي في المدن الكبرى. وقد بلغ مؤشّر قوة الاستجابة الحكوميّة 85 في ذروته، على ضوء قيام الحكومة باتخاذ تدابير صارمة في الوقت المناسب، تمثّلت في إغلاق القطاعات والبلاد عندما كان عدد الحالات لا يزال قليلاً. وفي خلال الأيام الأولى من الموجة الأولى، تمّ تخصيص مستشفى حكومي واحد لعلاج مرضى كورونا، بعد تأمين الموارد اللازمة له بالشراكة مع منظمة الصحة العالميّة. وقد أتاح ذلك للمستشفيات الأخرى الوقت الكافي لبناء قدراتها لاستقبال المرضى. بالإضافة إلى ذلك، فقد ساهم هذا النهج في الحدّ من تعرُّض المستشفيات غير المهيّأة للعدوى، إذ كانت تشكّل مصدرًا للعدوى المجتمعيّة في الأسابيع الأولى، وأثبتَ فعاليّته في إبقاء لبنان في مرحلة الاحتواء             وجعله من بين الدول الـ 15 الأولى التي تمكّنت من سحق الموجة الأولى من الفيروس. لكن، بعد الانفجار المأساوي الذي وقعَ في مرفأ بيروت في 4 آب/أغسطس، والذي أسفرَ عن إصابة أكثر من 6000  شخص، بدأ لبنان يشهد ارتفاعًا كبيرًا ومثيرًا للقلق في عدد الحالات، في ظلّ انعدام قدرة نظام الرعاية الصحيّة على التعامل مع هذه الطفرة، سيّما وأنّ الانفجار قد أدّى إلى تدمير 3 مستشفيات رئيسيّة في بيروت. ونتيجةً لذلك، لجأت الحكومة إلى إقفالٍ ثانٍ للبلاد في 14 تشرين الثاني/نوفمبر، وفرضت حظر التجوّل بين الخامسة عصرًا والخامسة فجرًا، وتركت الأعمال التجاريّة الأساسيّة مفتوحة. وسجّل لبنان حتى تاريخ 29 تشرين الثاني/نوفمبر حوالي  127000  إصابة بـكوفيد-19 و 1004 حالة وفاة.

إنّ الأثر الاجتماعي والاقتصادي الذي خلّفته جائحة كوفيد-19 ، والناتج عن إغلاق البلاد مرّات عدة، هائلٌ في بلد يواجه الانهيار الاقتصادي الأسوأ في تاريخه منذ استقلاله، بحيث بلغَ معدّل الفقر العام 60% في عام 2020 ، ومعدّل الفقر المُدقع (الفقر الغذائي) 23٪، ونسبة القوة العاملة في القطاع غير النظامي 60٪. وتمثّل جائحة كوفيد-19 أزمةً ضمن أزمة بالنسبة إلى اللبناني الذي يجد نفسه مضطرًّا إلى اتخاذ الخيار الصعب ما بين الموت بسبب فيروس كورونا أو الموت من الفقر. وقد وضعت الحكومة حزمةً اقتصاديّة متواضعة في محاولةٍ منها للتعويض عن تأثير هذه الصدمة الجديدة على السكان. غير أنّ هذه الحزمة لا تمثّل سوى 1٪ من الناتج المحلي الإجمالي وتبقى أقلّ بكثير ممّا تُنفقه البلدان الأخرى للتخفيف من تأثير الجائحة على البيئة الاجتماعيّة والاقتصاديّة فيها. من هنا، إنّ بلدنا أحوَج ما يكون إلى المساعدات الدوليّة لتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي في لبنان. وهذه المؤشّرات المثيرة للقلق ما هي إلاّ  دليل على خطورة الوضع الذي تفاقمَ أكثر مع فاجعة انفجار مرفأ بيروت في 4 آب/أغسطس 2020 الذي نتج منه فقدان ما يقارب الـ300000  شخص من سكان المدينة منازلهم، والذي أودى بحياة 204 شخصًا كما أدّى إلى إصابة أكثر من 6500 شخصًا. كما أنّ عشرات المدارس والمستشفيات ومَرافق الرعاية الصحيّة تدمّرت بشكل جزئي أو كليّ، في حين أنّ المستشفيات والمراكز الطبيّة التي بقيت عاملةً أضحتْ مغمورةً بالمرضى الذين يلتمسون العلاج من الإصابات التي لحقت بهم جرّاء الانفجار  والإصابة بفيروس كورونا المستجدّ.

في الواقع، نظرًا لارتفاع حالات الإصابة بالفيروس، تعاني العديد من المستشفيات نقصًا في أسرّة العناية المركّزة وفي المستلزمات والمعدّات الطبيّة الحيويّة. كما أنّ العاملين في المجال الطبي مرهَقون، لا سيّما في ظل المستوى غير المُعتاد الذي بلغتْه هجرة الأطبّاء والممرّضين والممرّضات، فضلاً عن تعرضُّهم للعدوى.

يواجه لبنان، اليوم أكثر من أيّ وقت مضى، محدوديّةً كبيرة في الدعم الدولي الذي يحصل عليه. ففي حين حظيت دول أخرى باعتمادات طارئة من صندوق النقد الدولي للاستجابة لفيروس كوفيد-19، لم يتمكّن لبنان من الحصول على مثل هذه الاعتمادات لكونه في حالة تأجيل لسداد الديون. كما تأخّرَ وصول التمويل الخارجي الذي تمثّلَ بمبالغ محدودة للغاية.

أضِف إلى ذلك أنّ جائحة كوفيد-19 قد حرفت جهودنا الرامية إلى تنفيذ خطّة التنمية المستدامة لعام 2030 عن مسارها.

في الختام، أودّ أن أعرب عن امتناني للأمم المتحدة والمنظّمات الدوليّة والجهات المانحة لمساعدتها لبنان في مواجهة جائحة كوفيد-19. إلاّ أنّ المعركة العالميّة لم تنتهِ بعد لأنّ العالم بأسره يَشهد تجدُّدًا في ظهور حالات الإصابة بالفيروس. كُلّي يقين أنّ الانتصار على  "عدو مشترك"، كما وصفَه الأمين العام للأمم المتحدة، رهنٌ بتضامننا وتعاوننا وتضافر جهودنا. وعليه، فإنّ لبنان يرحّب باستجابةٍ شاملة وجامعة ومتعدّدة الأبعاد ومحورها الإنسان، تحت رعاية الأمم المتحدة الدؤوبة، بهدف التصدّي لانتشار الجائحة ومعالجة مختلف تداعياتها. ويحدوني الأمل بصدقٍ في أن يتمّ إيلاء عنايةٍ خاصة للبلدان النامية بما في ذلك لبنان، التي يواجه العديد منها تبعات الانهيار الاقتصادي والاجتماعي الأليمة فضلاً عن حالات الركود الشديد والمُنهِك .

شكرًا جزيلاً.

 

جميع الحقوق محفوظة ©      ملاحظة قانونية  |   إتصل بنا  |  خريطة الموقع
تم انجاز هذا الموقع بالتعاون مع مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الادارية